الثلاثاء، 21 مايو 2013

السياسة الخارجية الاسرائيلية


السياسة الخارجية الاسرائيلية

الفاعلين في صنع السياسة الخارجية


تمهيد:
إن السياسة الخارجية لأية دولة هي إحدى الوسائل التي تستخدمها تلك الدولة للتأثير على العالم الخارجي، وتستخدم الدبلوماسية كإحدى وسائلها.و تعرف الدبلوماسية بأنها: (إجراء الاتصالات بين الأمم، وإظهار المهارة أثناء ذلك) وهي أيضاً فن التعامل بين الأمم. وثمة من يعرف الدبلوماسية بـ( إدارة مصالح البلاد في الخارج) من خلال عملاء (سفراء، ووزراء يعملون بتوجيه من وزارة الخارجية) وتنقسم الدبلوماسية من حيث الأسلوب إلى قسمين دبلوماسية مباشرة، ويتم ذلك من خلال الرؤساء أو المسؤولون في البلدين بالتفاوض مباشرة بدون اللجوء إلى استخدام الموفدين.
والدبلوماسية غير المباشرة حيث يتم اللجوء لطرف ثالث للتوصل إلى اتفاقيات سياسية.
وإذا كانت السياسة الخارجية بالمفهوم الإسرائيلي، تشمل كل الطرائق أو البنى أو الأساليب التي تتبع في مجتمع قومي معين، يمكن أن تحدد أو أنه يكون لها تأثير على كيفية مشاركة ذلك المجتمع في إدارة العلاقات الدولية. ينظر إلى الدبلوماسية وباعتبارها إحدى أدوات السياسة الخارجية الإسرائيلية على أنها ( فن الممكن، والمقدرة، من خلال المفاوضات والمساومات، على تحقيق الحد الأقصى من المكاسب الوطنية بأقل قدر ممكن من الخسائر).
ورغم المتغيرات التي طرأت عليها في بعض النواحي لا تزال السياسة الخارجية الإسرائيلية، من حيث الجوهر، بدون تغيير، وهي انعكاس لمجموع الأهداف الثابتة لإسرائيل، وتجسيد لنظرتها إلى المنطقة والبلدان المحيطة بالعالم العربي بأسره. وهي أيضاً أداة لتحقيق الأهداف السياسية و الاقتصادية والعسكرية الإسرائيلية، وإذا كانت السياسة الخارجية، بشكل عام تنبع من الإيديولوجيا الصهيونية التي تلعب دوراً رئيساً في رسم ملامح السياسة الخارجية الإسرائيلية  بجانب عوامل عدة تؤثر في هذا المجال من بينها ، تحالف إسرائيل مع الإمبريالية العالمية النابع من طبيعتها ووظيفتها ودورها في المنطقة ، وكذلك مصالح إسرائيل الخاصة ، ومن أهم تلك المصالح، التخلص من العزلة والسعي لإيجاد أسواق جديدة لصادرات إسرائيل المدنية والعسكرية، وتحتل الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، والاتصال بيهود العالم مكانة خاصة في السياسة الخارجية الإسرائيلية، بينما تبقى قضية الأمن بمظاهره المتخلفة الحجر الأساسي للسياسة الخارجية الإسرائيلية وشغلها الشاغل على الدوام. و لا بد من القول إن الصهيونية منذ أيامها الأولى، أولت الدبلوماسية اهتماماً كبيراً وذلك بالمقارنة مع مشاريع الاستيطان و الهدف الأول والأكبر للمشروع الصهيوني هو ( إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين) الأمر الذي يجعل هذا المشروع الاستيطاني يختلف عن غيره، إلاّ أن قيادة الحركة الصهيونية حاولت منذ اللحظات الأولى الحصول على دعم دولة عظمى وضمان مساندتها للاستيطان في فلسطين . يقول تيودور هرتزل في مذكراته بتاريخ 7 حزيران 1895  (حالما نتوصل إلى قرار حول الأرض، وتعقد الاتفاقيات الأولية مع السلطات صاحبة السيادة، سنشرع على الفور، بإجراء المفاوضات الدبلوماسية مع القوى العظمى للحصول على الضمانات)
المنهجية :
استخدام المنهج الوصفي لوصف نشأة السياسة الخارجية الاسرائيلية  وهويتها  واللاعبين الفاعلين في رسم وصنع هذه السياسة .
نشأة السياسة الخارجية الاسرائيلية وهويتها :
عني القائمون على إقامة  الكيان الصهيوني منذ بداياته الأولى باتخاذ توجهات سياسية ذات طابع استراتيجي، تقوم على إنشاء علاقات وطيدة مع الدول الكبرى. و جرى الربط بين هدف الصهيونية بتأسيس دولة اليهود في فلسطين والحصول على الاعتراف الدولي بها . وكان قرار المؤتمر الصهيوني الأول ( بال 1897) بالتوق الى اقامة وطن للشعب اليهودي في أرض اسرائيل يضمنه القانون العام [1]  .  بمثابة دليل عمل لجميع التيارات الصهيونية . وفي مرحلة " الدولة القادمة على الطريق " أولى النشاط الصهيوني أهمية كبرى لتحويل الهجرة اليهودية من حالات تسلل الى أفواج جماعية تهاجر الى فلسطين بموافقة و دعم دوليين . وخلال ذلك كانت المنظمة الصهيونية العالمة والوكالة اليهودية أداة رئيسة للعمل السياسي الخارجي . وبعد إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 ، تولت وزارة الخارجية الاسرائيلية المهمة ذاتها التي كانت تؤديها الإدارة السياسية في الوكالة اليهودية[2]. و كان لا بد من إجراء تغييرات بنيوية على هذه السياسة ، بما يتناسب مع المعطيات التي ترتبت على تأسيس الدولة .

الاعتراف الدولي :
خلال السنوات الأولى التي اعقبت قيام اسرائيل ، ركزت الدبلوماسية الإسرائيلية على تأمين العناصر الدولية اللازمة لضمان الوجود الأسرائيلي كدولة ذات سيادة على أرض فلسطين . لذلك سعت إسرائيل الى توسيع علاقاتها الدبلوماسية والإقتصادية بحيث تشمل أكبر عدد ممكن من دول العالم، لأنها عندما تستطيع إثبات وجودها على الساحة الدولية فإنها تكون قادرة على فرض هذا الوجود على الدول العربية ككيان قومي قائم في منطقة الشرق الاوسط . ولقد استطاعت إسرائيل تحقيق الاعتراف الدولي بها على صعيدين :
الصعيد الأول : أحادي (كل دولة بمفردها ) وهذا الاعتراف حققته منذ اللحظات الأولى لقيام دولة اسرائيل (15/5/1948) باعتراف الولايات المتحدة بها وهي إحدى الدولتين العظمتين  في العالم ذلك الوقت تم توالت الاعترافات الدولية بقيام لإسرائيل .
الصعيد الثاني : جماعي ( قبولها عضو في الأمم المتحدة ) بتاريخ 11/5/1949 بعد موافقة مجلس الأمن والجمعية العامة على طلبها واصبحت الدولة رقم 95 بها [3].
بلورة الاسس التحالفية :
ادارت السياسة الخارجية الاسرائيلية عملية إقامة العلاقات مع دول العالم بإستخدام ناجع للوسائل التي وفرتها وفي مقدمتها [4]:
·       تعدد أدوات السياسة الخارجية .
·       التخطيط بعيد المدى للسياسة الخارجية
·       مرونة الحركة السياسية انسجاما مع التقاليد المعاصرة .
·       الارتباط بين السياسة الداخلية والخارجية .
كان الهم الاسرائيلي الأول هو اختيار الدول التي تشكل لإسرائيل مصدرا للدعم السياسي والاقتصادي والعسكري. وكشفت الممارسات العملية وجود ثلاث مراحل رئيسة مرت بها السياسة الخارجية الاسرائيلية وهي[5] :
·       مرحلة الموازنة بين الكتلة الشرقية والغربية ( 1948 – 1950 )
·       مرحلة الانحياز نحو الكتلة الغربية ( 1950 – 1957 )
·       مرحلة الاعتماد على الولايات المتحدة ( 1957 – الى الوقت الراهن )
في مختلف هذه المراحل، كان المبدأ الأساس الذي حاولت إسرائيل تجسيده خلال سعيها لبلورة سياستها الخارجية هو " الاعتماد على حليف " الذي شكل عمليا امتداداً لسياسة انتهجتها الحركة الصهيونية منذ تأسيسها .
وتابعت إسرائيل هذه السياسة للدمج بين إمكاناتها الذاتيه والدعم الخارجي لها لتكريس نمط  من القوة هو " نمط القوة التحالفي " . و كان الهدف من هذا الدمج هو بناء المشروع الصهيوني وضمان بقاءه و مواجهة التحديات الخارجية وفي مقدمتها الرفض العربي لهذا المشروع . وكانت فكرة الاعتماد على حليف ضرورية لأن اسرائيل دولة حديثة النشأة وكانت نشأتها غير طبيعية وهي لا تملك القدرة على القيام بأعباء و جودها  ودورها  الوظيفي في المنطقة العربية ، و بالتالي فإن الشراكة مع الغرب لا بد أن تراعي تقاسم الادوارز وقد عبر إيغال آلون ( نائب رئيس حكومة اسرائيلي سابق ) عن أهمية التحالف مع الدول العظمى بقوله :" لا بد لنا من المحافظة على صداقة دول كبرى ، و على رأسها الدول التي من شأنها أن تزودنا بالوسائل القتالية والمساعدات السياسية والمعونات الاقتصادية " [6]. وحدد أبا إيبان ( وزير خارجية إسرائيلي سابقاً ) العوامل والضمانات التي تعطي لإسرائيل أملاً في البقاء وفق الترتيب التالي[7] :
·       استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية المباشرة التي بدأت بصواريخ هوك .
·       استمرار حماية الدول الكبرى للوضع القائم في المنطقة .
·   استمرار الخلافات العربية ، لأنه لو اتحد العرب لما بقي أحد مهتم بنا ، و لسهل عليهم إذابة كياننا لأننا سنبقى دائما شوكة في الجسم الذي يحتوينا .
وفي التطبيق ، استمرت إسرائيل في انتهاج سياسة الحركة الصهيونية في التحالف مع الدول الغربية واستطاعت أن تنتزع من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ما يسمى بالبيان الثلاثي الصادر في لندن ( 25/9/1950) والذي مكن اسرائيل من الدخول في دائرة الحماية الغربية .
وينص البيان على أن الحكومات الثلاث تعترف بأن اسرائيل والدول العربية مجتمعه في حاجة جميعاً الى مستوى من القوات المسلحة تكفل أمنها الداخلي والدفاع عن المنطقة بمجموعها [8] وبذلك أسس البيان الثلاثي  للحيلولة دون تحقيق تفوق عربي على إسرائيل .
في الفترة التي تلت صدور البيان الثلاثي كانت فرنسا هي الشريك الرئيسي في المحافظة على أمن إسرائيل والمصدر الرئيسي لدعمها العسكري ، وكانت بريطانيا تقدم الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لإسرائيل ، و التحالف بين إسرائي وألمانيا كان على ثلاثة اتجاهات هي : الاتفاق على التعويضات لما يسمى باضطهاد اليهود من قبل الرايخ الثالث ، توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية ، تزويد الجيش الاسرائيلي بالأسلحة المتطورة . وتطور التحالف مع الولايات المتحدة بشكل مكثف اعتبارا من الخمسينات من القرن العشرين .
تبعية السياسة الخارجية الاسرائيلية للأمن الاسرائيلي :
صاغت اسرائيل سياستها الخارجية على مقاسها الأمني ، بتأثير واضح لأفكار بن غوريون (رئيس حكومتها الأولى ) الذي كان يشدد على أن أهم عامل يقرر هذه  السياسة  هو أمن إسرائيل الناجم عن  الصراع العربي الاسرائيلي[9] . ومنذ نشأت اسرائيل تميزت العلاقة بين السياسة الخارجية والأمن بأنها  العلاقة الأهم ، بسبب التنوع والاتساع في المسؤوليات الملقاة على عاتق وزارتي  الخارجية والدفاع[10] . واحتفظ بين غوريون لنفسه بوزارة الدفاع  و وزارة الخارجية التي لا تقل أهمية عنها . وهكذا سيطر بن غوريون على سياسة اسرائيل الخارجية بالخمسينات كرئيس للوزراة وعلى سياستها الحربية كوزير للدفاع . وركز في توجيه سياسته الخارجية لخدمة مخطط الأمن الاسرائيلي لضمان وجود الدولة ودعمها [11].
كان أهم عامل تستند اليه السياسة "الإسرائيلية" الخارجية هو الاعتماد على (( الردع )) والتلويح بقوة ((الردع )) وشن ما تطلق عليه" الحرب المسبقة الوقائية"لفرض الأهداف المطلوب تحقيقها في الوطن العربي كله والاستمرار في سياسة تهجير اليهود من كافة أنحاء العالم  الى اسرائيل،  من أجل زيادة القوة البشرية اليهودية.
وكانت "إسرائيل" تستثمر كل ما يتوفر لديها من انجازات على صعيد سياستها الخارجية التقليدية مع الحلفاء والأصدقاء والمحايدين لخدمة عامل" الردع " العسكري بكل أبعاده و بكل اتجاهاته و مستلزماته  لخدمة كل ما يفيد في تهجير اليهود المواطنين من الدول الأخرى إلى "إسرائيل". وحين لا يحقق عامل الردع دوره ويحول دون تحقيق الأهداف "الإسرائيلية" تنتقل الأهمية وبشكل فوري إلى شن الحرب تحت أي ذريعة أو سيناريوهات  مناسبة  ضد من لم يتحقق ردعه ومازال يشكل خطرا مباشرا أو غير مباشر على انجاز الأهداف "الإسرائيلية"والأهداف الإستراتيجية الأمريكية على المستوى الإقليمي والدولي معا ً.
وتعتبر العقيدة "الإسرائيلية" الحربية إن أهمية الانتصار في أي حرب تشنها تكمن في قدرتها على نقل العمليات العسكرية ومجريات الحرب بالسرعة الممكنة في أرض الطرف الآخر وفي قدرتها على تقصير زمن الحرب الطاحنة إلى أقصر وقت ممكن ... وفي هذه العملية لا تستثني الإستراتيجية "الإسرائيلية" إدخال عامل الردع مرة أخرى واستثماره بشكل آخر في مجريات هذه الحرب السريعة و المكثفة لفرض وقف النار على الطرف الأخر و منحه فرصة الخضوع والتسليم بهزيمة قبل متابعة الإجهاز على قدراته وقواته أن تمكنت من تحقيق هذه الغاية.
و منذ البداية صاغ قادة "إسرائيل" مفهوم عقيدتهم العسكرية و السياسية بالاستناد إلى عدد من الاعتبارات الموضوعية الخاصة وأهمها:
1-  الحجم المحدود للقاعدة الديمغرافية "الإسرائيلية مقارنة بالقوة البشرية العربية وامتداداتها الجغرافية ورأى قادة "إسرائيل" إن هذا الحجم الديموغرافي لا يتيح اللجوء إلى تعبئة شاملة بشرية "إسرائيلية" لفترة طويلة وهذا ما يفرض بدوره عدم خوض حرب طويلة
2-  إن تفاوت الموارد البشرية والاقتصادية بينها وبين الدول العربية المجاورة يفرض عليها عدم السماح لأي طرف عربي بانتهاج إستراتيجية الحرب الطويلة الأمد والعمل على ردعه عن اللجوء إليها مهما كلف ذلك من ثمن.
3-  الاعتماد على القدرات العسكرية والسياسية للقوى الحليفة  بالطريقة التي تسمح بوقف الحرب عند التسبب بأضرار فادحة لها أو وقفها عند تدفق الدعم  العسكري والسياسي الدولي للطرف الآخر وازدياد إمكاناته على الصمود والانتقال إلى نقل المعركة إلى "إسرائيل"
يقول موشيه دايان الذي تولى منصب رئيس الأركان في الخمسينات ووزارة الحرب في الستينات أن "إسرائيل" (( لا سياسة خارجية لها بل سياسة دفاعية فقط )) أي حربية بامتياز. ومن الواضح أن سياسة "إسرائيل" الخارجية لا تحدد لنفسها إستراتيجية منفردة لتحقيق أهدافها على غرار معظم الدول الطبيعة بمعزل عن الاستراتيجية  الخارجية  الشاملة العسكرية والأمنية للقوة الكبرى التي أنشأتها والتي  تستند الى دعمها وتأييدها وهي بريطانيا منذ عام 1948 حتى عام 1965 والولايات المتحدة منذ ذلك الوقت حتى  هذه اللحظة[12] .
وزير الخارجية الامريكي الاسبق هنري كيسنجر اكد " أن ليس لإسرائيل سياسة خارجية وانما سياسة داخلية تنعكس خارجيا فقط ، وأن الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة عملت قبل كل شيء تبعاً للنظرية الأمنية على أساس احتياجات سياسة داخلية وأحلام اقليمية وعدم الثقة بالاجانب " [13] . وعلى ذلك ظلت تبعية السياسة الخارجية للأمن في الاستراتيجية الاسرائيلية  على امتداد العقود الماضية وإن اتيح لهذه السياسة هوامش الحركة في النطاق الدولي بما لا يضر بمستوى الجاهزية الأمنية .

المؤسسات والاجهزة العاملة في السياسة الخارجية الاسرائيلية :
تتظافر الجهود بين عدة أطراف وقوى داخلية في اطار تكاملي لتخطيط سياسة اسرائيل الخارجية ، وفي غالبية الحالات  كانت العلاقة  بين اسرائيل ودول العالم تأتي كنتيجة لهذا التظافر الذي يدمج بين نمطين من النشاط أحدهما مؤسسي ، تضطلع به هيئات وأجهزة إسرائيلية ، والآخر فردي تلعب به شخصيات صهيونية معينة دورا هاما في تهيئة الاجواء لإقامة تلك العلاقات أو تطويرها .
1-الكنيست والحكومة :
الكنيست والحكومة يلعبان دورا واضحا في عملية صناة السياسة الخارجية الاسرائيلية ، حيث تمر عملية التشريع بعدة مراحل تبدأ  بتقديم الحكومة مشروع قانون للكنيست لإدراجة  على جدول الاعمال  وعرضه على القراءة التمهيدية ، ثم  تجري له ثلاث قراءات تنتهي بالمصادقة عليه في نهاية طوره البرلماني ، ثم يحول الى رئيس الدولة ورئيس الحكومة والوزير المختص  لتوقيعه دون أي اعتراض أو ممانعة. أما بخصوص المعاهدات التي توقعها الحكومة مع اطراف خارجية فيتم عرضها على الكنيست ، وتقترح الحكومة إجراء تغييرات التشريع اللازمة للتصديق على المعاهدة ، وفي الحالات العامة تقرر الكنيست إحالة  المعاهدة الى اللجنة المختصة التي تناقشها أو تجري عليها تعديلات . و لاتصبح المعاهدة ملزمة إلا بعد تصديقها بقرار صادر عن جلسة كاملة للكنيست[14] . قسم كبير من أعمال السياسة الخارجية يتم مناقشته ضمن " لجنة الخارجية والأمن " حيث تناقش هذه اللجنة اقتراحات القوانين والانظمة المتصلة بعملها ، و الطلبات المقدمة للحكومة، وأي موضوع آخر يحول الى المناقشة من جانب الكنيست . ويحق للجهة مطالبة الوزير المعني بتفسيرات ومعلومات بشأن الموضوع الذي تناقشه ، وتحول اللجنة نتائج عملها الى وزير الخارجية وتعد النتائج توصيات غير ملزمة للوزارة .[15]
و رئيس الحكومة يستطيع فعل الكثير في صناعة السياسة الخارجية الاسرائيلية بحكم قوته المستمدة من موقعه وصلاحياته وتتجلى المظاهر الرئيسة لدور رئيس الحكومة في نظام الحكم الإسرائيلي بالنقاط التالية : 
·       يعتبر الناطق الأول باسم الحكومة ، وقد ازدادت أهمية هذا الأمر في عصر وسائل الاتصالات السريعة .
·       يوجه المفاوضات مع دولة أجنبية في قضايا أساسية .
·       العنصر المركزي في تحديد توجهات السياسة الخارجية .
ويكون دور الحكومة مجتمعة في السياسة الخارجية الاسرائيلية فيتمثل باجراء المناقشات واتخاذ القرارات سواء في اللجان الوزارية أو في اجتماع الحكومة بكامل هيئأتها . وتعتبر المداولات الحكومية  سرية يحظر الكشف عنها في مجال أمن الدولة وعلاقاتها الخارجية . و تتحمل الحكومة بكاملها المسؤولية عن اعمال كل وزير ، كما أن كل وزير يتحمل المسؤولية عن أعمال الحكومة[16].
 وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية تستحوذ على القسط الأكبر من عملية صنع القرار السياسي الخاجي ، إلا أن مركزية الأمن في إسرائيل وضعت وزارة الدفاع في مرتبة الشريك الأول ضمن هذه العملية ، و خصوصاً بمواضيع الصراع العربي الاسرائيلي[17] .
2-وزارة الخارجية :
البنية الأساسية لوزارة الخارجية جاهزة للعمل منذ 15/10/1947 ، عندما عينت الوكالة اليهودية لجنة رفيعة المستوى لتدير أمور التخطيط و تشكل هيئة إدارية للدولة الحديثة[18] . وبعد قيام إسرائيل اخذت هذه البنية تشهد تغييرات كبيرة في حجم العمل ومجالاته وتقاسمه . الصورة الراهنة لبنية وزارة الخارجية كما هي منشورة على الموقع الالكتروني للوزارة تشمل 75 دائرة تنتمي الى نحو 25 فرعا و 15 قسماً يؤدي كل منها أعمال تخصصية تبعاً لمعايير وظيفية[19] .
وتتفق هذه البنية مع االمهام التي تتولى وزارة الخارجية تأديتها بموجب التقاسم التخصصي للعمل الاسرائيلي العام وأبرز هذه المهام[20] :
·       صياغة السياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية وتنفيذها وعرضها أمام حكومات العالم والمنظمات الدولية .
·       تعريف الحكومات والمنظمات والهيئات الدولية وشعوب العالم أجمع بمواقف إسرائيل من القضايا المطروحة .
·       تطوير أواصر العلاقات السياسية والثقافية والعلمية والاقتصادية مع دول العالم والمنظمات الدولية .
·       العمل على تشجيع التعاون مع الدول النامية .
·   حماية حقوق الإسرائيليين في الخارج ومصالحهم، عبر تقديم التسهيلات القنصلية وخدمات السفارات ، وضمان حقوق  مواطني البلدان الأخرى في لإسرائيل .
·       تمتين العلاقات بين اسرائيل والتجمعات اليهودية في الشتات وضمان حقوقهم في العودة الى البلاد.
3-رئيس الدولة :
حددت " قوانيين الأساس " للكنيست بنية لنظام الحكم الاسرائيلي يكون فيها منصب رئيس الدولة تمثيليا و رمزياً، أي لا يملك سلطات أو صلاحيات كبيرة في كل ما يتعلق بالحكم ، بينما أعطيت هذه الصلاحيات للكنيست والحكومة وحسب القانون الأساس (الذي اقر بصورته الحالية عام 1964 ) يتلخص دور الرئيس في السياسة والعلاقات الخارجية لإسرائيل بما يلي[21] :
·   التوقيع على المعاهدات مع الدول الاجنبية بعد الموافقة عليها من قبل الكنيست . وليس له الحق في رفض التوقيع على هذه المعاهدات .
·   تعيين الممثلين الدبلوماسيين لإسرائيل في دول العالم بناء على توجيه وزير الخارجية ، ويتقبل اعتماد الممثلين الدبلوماسيين من هذه الدول في إسرائيل .

خارج هاتين المهمتين  ليس لرئيس الدولة رسمياً ما يقدمه في عملية صنع السياسة الخارجية وتنفيذها . ويكون عمله فقط بالانشطة الاجتماعية والثقافية مثل استضافة الوفود والزوار الرسميين واقامة حفلات التعارف بهدف توثيق الصلات بين إسرائيل والعالم .
4-المنظمة الصهيونية والوكالة اليهودية :
تم توحيدهما في عام 1994  في رئاسة أبرهام بورغ للوكالة ، سعت المنظمة الصهيونية الى تذليل العقبات التي تحول دون ما يسمى ( المغشما = التجسيد )* لليهود. وكانت الوكالة هي المسؤولة عن تنظيم هجرة اليهود من العالم الى اسرائيل . وفي سبيل تنفيذ مهمتها المركزية ( الهجرة والاستيطان ) ، تعقد الوكالة  اليهودية محادثاث مع العديد من الحكومات والمسؤولين في دول العالم ، وترتبط باتفاقيات تمكنها من ممارسة نشاطها. و لاشك ان عمل الوكالة والمنظمة على الساحة الدولية يسهم الى حد كبير في تهيئة الظروف للسياسة الخارجية لإسرائيل كي تحقق أغراضها ، و هو ما يجعل هذه المؤسسات بمثابة ادوات رديفة للجهزة الإسرائيلية العاملة في حقول السياسة الخارجية والعلاقات الدولية [22].
5-الهستدروت ( النقابة العامة للعمال في ارض اسرائيل )
منذ 1920 طرحت نفسها كمنظمة تؤمن بتضامن العمال في العالم ، وعن طريق الهستدروت تم اقامة علاقات مع بعض المنظمات العالمية الدولية وبعد قيام اسرائيل اقتصر نشاط الهستدروت السياسي في الحصول على المشورة من منظمات عالمية كبيرة في الدول المتقدمة وفي تقديم المساعدات لمنظمات العمال في الدول النامية[23] .
وعملت الهستدروت على الافادة من انتسابها الى بعض المنظمات العالمية الدولية مثل اتحاد النقابات المهنية الحرة ومنظمة العمل الدولية والاشتراكية المهنية الدولية . وفي حصيلة عملها المتعلق بالسياسة والنشاطات الخارجية نجحت الهستدروت في التسلل الى الكثير من البلدان النامية في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتنية.
6-المخابرات
ترتبط مؤسسة المهام الخاصة في اسرائيل ( الموساد ) وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)
التابعة للأركان  العامة للجيش الاسرائيلي بعلاقات وطيدة مع الأجهزة الاستخبارتية في العالم . وعبر هذا الارتباط تتوليان تنفيذ أعمال لا تقتصر على الجانب الأمني، بل تتعداه الى موضوعات سياسية وغيرها .

الخلاصة :
بمتابعة السياسة الخارجية لإسرائيل نجد أن إسرائيل تتبنى في سياستها الخارجية فرضية اللعبة الصفرية دائما بهدف تحقيق مصالحها وتلجأ الى استخدام القوة كردع والمؤسسات المذكورة سابقاً مجتمعة تلعب دورا مهما بتعزيز علاقات اسرائيل الخارجية مع دول العالم. أما الآلية والأساليب التي تستند إليها إسرائيل عادة في تنفيذ سياستها الخارجية هذه فلا تقتصر على ما يقوم به رئيس الحكومة وبقية الوزراء من مهام و اختصاصات بل تتعدى ذلك لتشمل مهاماً تنفذها ضمن خطة شاملة وبرنامج عمل مشترك بين  حكومة اسرائيل ووزارة خارجيتها و منظمات صهيونية ويهودية خارج إسرائيل.
 ومن أهم هذه المنظمات والمؤسسات :
·       المنظمة الصهيونية العالمية وفرعها الأمريكي بشكل خاص.
·       المؤتمر اليهودي العالمي وفرعه الأمريكي.
·       مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية.
·       لجنة العلاقات العامة "الإسرائيلية" الأمريكية المعروفة باسم (آيباك).
·       منظمات الدعم المالي اليهودية الأمريكية وفي مقدمتها (النداء اليهودي) – ( جويش أبيل).
·       "الوكالة اليهودية" ومؤسساتها المتخصصة بالهجرة وجمع المال.


[1]  ابراهيم  عبد الكريم ، السياسة الخارجية الاسرائيلية ،  ابو ظبي للطباعة والنشر ، الطبعة الاولى ، 2001 ، ص 9
[2]   Walter Eytan , The First Ten Years – a diplometic history of Israel , Weidendeld & Nicolson, London, 1958, P 206

[3]   د. حسن الحلبي ، القرار والتسوية ، الطبعة الاولى ، دكروب للطباعة والصحافة ، بيروت ،1979، ص 18
[4]  د. مجدي حماد ، اسرائيل وأفريقيا ، الطبعة الأولى ، دار المستقبل العربي ، بيروت ، ص 18 -19
[5]   القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني ،  مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، بيروت ، 1973 ، ص 446
[6]   ابراهيم عبد الكريم ،  مرجع سابق ، ص 11
[7]  مجلة  دراسات الفلسطينية  ، عدد 12 ، بيروت ، 1967، ص 63
[8]   حمد حمدي حافظ ، قصة البيان الثلاثي ، سلسلة كتب سياسية ، عدد 161،  القاهرة ، 1960، ص 21
[9]  Ben Gurion, Rebirth and desting of  Israel , philosophical Library, New York, 1954,P 391
[10] Michale Brecher, the foreign policy system of Isreal (setting,images,process), oxford university press, toronto ,1972, P 398.
[11]  " دافيد بن غوريون " ،  موقع وزارة الخارجية الاسرائيلية  انظر : http://www.altawasul.com/MFAAR/this+is+israel/political+structure/david+ben+gurion.htm
[12]   تحسين الحلبي ، السياسة الخارجية في إسرائيل “آلية اتخاذ القرار وتحديد الأهداف" ، انظر : http://www.pct-eu.org/ar/news.php?action=view&id=30

[13]   ابراهيم عبد الكريم  ، مصدر سابق ، ص 15
[14]   ابراهيم عبد الكريم  ، مصدر سابق ، ص 17
[15]   ابراهيم عبد الكريم  ، مصدر سابق ، ص 18
[16]  ابراهيم عبد الكريم  ، مصدر سابق ، ص 19
[17]   د. احمد السيد النعماني، التركيب الاجتماعي للمجتمع الإسرائيلي وأثره على النسق السياسي ، مكتبة نهضة الشرق ، القاهرة ، 1980، ص 82
[18]  Michale Brecher,cit , P 504.

[19]   " أقسام وزارة الخارجية " ، موقع وزارة الخارجية الاسرائيلية  الالكتروني ، أنظر : http://www.altawasul.com/mfaar/about%20the%20ministry%20arab%20site/the%20ministries%20departments/
[20]  [20]  Michale Brecher, cit , P 513
[21]  قانون اساسي : رئيس الدولة ، موقع وزارة الخارجة الاسرائيلية ، انظر : http://www.altawasul.com/MFAAR/this+is+israel/political+structure/basic+law+the+president.htm
*  المقصود : الانتماء اليهودي بالهجرة الى فلسطين واعتناق الصهيونية .
[22]  ابراهيم عبد الكريم ، المنظمة الصهيونية ويهود العالم ، معهد البحوث والدراسات العربية ، القاهرة ، 2000، ص 211
[23]   ابراهيم عبد الكريم ، الهستدروت وانتخاباتها الأخيرة في اسرائيل ، مجلة الارض ، عدد 6 ، دمشق ، 1994 ، ص 24